فصل: ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين ومائتين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ مسير بغا الكبير إلى بني نمير حتى أوقع بهم ‏.‏

وسببه‏:‏ أنهم كانوا يعيثون في الأرض وكان قد انكشف عسكر بغا ثم اجتمع فكشفوا بني نمير ثم طلبوا الأمان فأعطاهم ثم قيدهم وسار بهم ‏.‏

وفيها‏:‏ جاء السودان إلى البصرة ‏.‏

وفيها‏:‏ أمر الواثق بترك جباية أعشار البحر ‏.‏

وفيها‏:‏ اشتد البرد في نيسان حتى جمد الماء لخمس خلون منه ‏.‏

وكثرت الزلازل في المغرب وكانت زلزلة بدمشق هدمت منها المنازل والدور ومات خلق من الناس وكذلك بحمص وعظم ذلك في قرى أنطاكية والموصل ويقال‏:‏ إنه مات فيها عشرون ألفًا

وفيها‏:‏ أصاب الحج في العود عطش شديد في أربعة منازل إلى الربذة فبلغت الشربة دنانير كثيرة ومات خلق كثير من العطش ‏.‏

وفيها‏:‏ مات الواثق وبويع للمتوكل ‏.‏

 باب خلافة المتوكل

واسمه‏:‏ جعفر بن محمد بن هارون الرشيد ويكنى أبا الفضل وأمه أم ولد اسمها شجاع ولد سنة سبع ومائتين بفم الصلح ونزل سامراء وكان أسمر حسن العينين خفيف العارضين نحيفًا إلى القصر ولا تعرف امرأة رأت ابنها خليفة وهو جد وله ثلاثة أولاد ولاة عهود إلا أم المتوكل وكان المتوكل جدًا وما كمل له ثلاثون سنة ‏.‏

وسلم المتوكل بالخلافة ثمانية كلهم ابن خليفة‏:‏ محمد بن الواثق وأحمد بن المعتصم وموسى بن المأمون وعبد الله بن الأمين وأبو أحمد بن الرشيد والعباس بن المهدي ومنصور بن المهدي والمنصور بن المتوكل ‏.‏

 ذكر بيعة المتوكل وشيء من سيرته

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرني الحسن بن علي الصيمري حدثنا محمد بن عمران بن موسى قال‏:‏ حدثني أبو عبد الله الحكيمي قال‏:‏ حدثني ميمون عن جماعة سماهم أن الواثق لما مات اجتمع وصيف التركي وأحمد بن أبي دؤاد ومحمد بن عبد الملك وأحمد بن خالد المعروف بأبي الوزير وعمر بن فرج فعزم أكثرهم على تولية محمد بن الواثق فأحضروه وهو غلام أمرد قصير فقال أحمد بن أبي دؤاد‏:‏ أما تتقون الله كيف تولون مثل هذا الخلافة فأرسلوا بغا الشرابي إلى جعفر بن المعتصم فأحضروه فقام ابن أبي دؤاد فألبسه الطويلة ودراعة وعممه بيده على الطويلة وقبل بين عينيه وقال‏:‏ السلام عليكم يا أمير المؤمنين ‏.‏

ثم غسل الواثق وصلى عليه المتوكل ودفن ‏.‏

قال ميمون‏:‏ فحدثني سعيد الصغير قال‏:‏ كان المتوكل قد رأى في منامه كأن سكرًا سليمانيا قد نزل عليه من السماء مكتوب عليه‏:‏ جعفر المتوكل على الله ‏.‏

قال ميمون‏:‏ فلما صلى على الواثق قال محمد بن عبد الملك‏:‏ نسميه المنتصر وخاض الناس في ذلك فحدث المتوكل أحمد بن أبي وفي رواية أخرى‏:‏ أنهم بعد ذلك صاروا إلى دار العامة فبايعوا حين زالت الشمس يومئذ وذلك يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين وكتب له بالبيعة محمد بن عبد الملك الزيات وهو إذ ذاك على ديوان الرسائل وسنه إذ ذاك ستة وعشرون سنة ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرني الحسن بن شهاب العكبري في كتابه إلي قال‏:‏ حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن أبي سمرة البندار أخبرنا معاوية بن عثمان حدثنا علي بن حاتم حدثنا علي الجهم قال‏:‏ وجه إلي أمير المؤمنين المتوكل فأتيته فقال لي‏:‏ يا علي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقمت إليه فقال لي‏:‏ تقوم إلي وأنت خليفة فقلت له‏:‏ أبشر يا أمير المؤمنين أما قيامك إليه فقيامك بالسنة وقد عدك من الخلفاء

فسر بذلك ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا أبو منصور محمد بن علي بن إسحاق الخازن أخبرنا أحمد بن بشر بن سعيد الخرقي حدثنا أبو روق الهزاني قال‏:‏ سمعت محمد بن خلف يقول‏:‏ كان إبراهيم بن محمد التيمي قاضي البصرة يقول‏:‏ الخلفاء ثلاثة أبو بكر الصديق قاتل أهل الردة حتى استجابوا وعمر بن عبد العزيز رد مظالم بني أمية والمتوكل محا البدع وأظهر السنة ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدثني القاضي أبو القاسم علي بن الحسن قال‏:‏ حدثني أبو الفتح بن أحمد بن علي بن هارون المنجم عن أبيه وعمه عن أبيهما أبي القاسم علي بن يحيى‏:‏ أنه كانت عنده كل نوبة من نوب الفراشين في دار المتوكل على الله أربعة آلاف فراش قالا‏:‏ فذهب عنا أن نسأله كم نوبة كانوا ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري قال‏:‏ أخبرنا المعافى بن زكريا الجريري حدثنا أبو النضر العقيلي حدثنا أبو أحمد يحيى بن علي المنجم قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ خرجنا مع المتوكل إلى دمشق فاحقنا ضيقة بسبب المؤن والنفقات التي كانت تلزمنا قال‏:‏ فبعثت إلى بختيشوع وكان لي صديقًا أسأله أن يقرضني عشرين ألف درهم قال‏:‏ فأقرضنيها فلما كان بعد يوم أو يومين دخلت مع الجلساء إلى المتوكل فلما جلسنا بين يديه قال‏:‏ يا علي لك عندي ذنب وهو عظيم قلت‏:‏ يا سيدي وما هو فإني لا أعرف لي ذنبًا ولا جناية قال‏:‏ بلى أضقت فاستقرضت من بختيشوع عشرين ألف درهم أفلا أعلمتني قلت‏:‏ يا مولاي صلات أمير المؤمنين عندي متواترة وأرزاقه وأنزاله علي دارة فاستحييت مع ما قد أنعم الله به علينا من هذا التفضل أن أسأله قال‏:‏ ولم إياك أن تستحي في مسألتي أو الطلب مني وأن تعاود مثل ما كان منك ثم قال‏:‏ مائة ألف درهم - أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عبد الواحد الوكيل قال‏:‏ حدثنا إسماعيل بن سعيد المعدل أخبرنا الحسين بن القاسم الكوكبي أخبرنا محرز الكاتب قال‏:‏ اعتل عبيد الله بن يحيى بن خاقان فأمر المتوكل الفتح أن يعوده فأتاه فقال‏:‏ أمير المؤمنين يسأل عن علتك فقال عبيد الله‏:‏ عليل من مكانين من الأسقام والدين وفي هذين لي شغل وحسبي شغل هذين فأمر له المتوكل بألف درهم ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن علي بن حمويه أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي خبرنا أبو الحسين محمد بن علي شاه التميمي أخبرنا أحمد بن عبد الله العبسي قال‏:‏ حدثني أبو بكر محمد بن إسحاق قال‏:‏ حدثني الأعثم قال‏:‏ دخل علي بن الجهم على جعفر المتوكل وبيده درتان يقلبهما فأنشده قصيدته التي يقول فيها‏:‏ وإذا مررت ببئر عروة فاسقني من مائها قال‏:‏ فدحا بالدرة التي في يمينه فقلبتها فقال لي‏:‏ تستنقص بها هي والله خير من مائة ألف قلت‏:‏ لا والله ما استنقصت بها ولكن فكرت في أبيات أعملها لآخذ التي في يسارك فقال‏:‏ بسر من رأى إمام عدل تغرف من بحره البحار يرجى ويخشى لكل خطب كأنه جنة ونار الملك فيه وفي بنيه ما اختلف الليل والنهار يداه في الجود ضرتان عليه كلتاهما تغار لم تأت منه اليمين شيئًا إلا أتت مثلها اليسار قال‏:‏ فدحا إليه بالتي في يساره وقال‏:‏ خذها لا بارك الله لك فيها ‏.‏

قال المصنف‏:‏ وقد رويت هذه الأبيات للبحتري في المتوكل ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن جعفر بن علان قال‏:‏ حدثنا أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي حدثنا محمد بن إبراهيم الأنطاكي أخبرنا الحارث بن أحمد العبدي حدثنا أحمد بن يزيد المؤدب قال‏:‏ سمعت الفتح بن خاقان يقول‏:‏ دخلت يومًا على المتوكل فرأيته مطرقًا يتفكر فقلت له‏:‏ ما هذا الفكر يا أمير المؤمنين فوالله ما على الأرض أطيب منك عيشًا ولا أنعم منك بالًا فقال‏:‏ يا فتح أطيب عيشًا مني رجل له دار واسعة وزوجة صالحة ومعيشة حاضرة لا يعرفنا فنؤذيه ولا يحتاج إلينا فنزدريه ‏.‏

إسماعيل بن عيسى العطار ‏.‏

سمع إسماعيل بن زكريا الخلقاني والمسيب بن شريك وغيرهما وروى عن أبي حذيفة إسحاق بن بشر كتاب المبتدأ والفتوح وكان ثقة ‏.‏

توفي في رمضان هذه السنة ‏.‏

الحكم بن موسى بن أبي زهير أبو صالح القنطري نسائي الأصل رأى مالك بن أنس وسمع من إسماعيل بن عياش وابن المبارك روى عنه‏:‏ أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وابن أبي الدنيا والبغوي قال يحيى‏:‏ هو ثقة وقال ابن المديني‏:‏ الشيخ الصالح‏.‏

توفي في شوال هذه السنة ‏.‏

عبد الله بن عون الخراز ‏.‏

سمع مالك بن أنس وشريك بن عبد الله وإبراهيم بن سعيد وغيرهم روى عنه خلق كثير منهم البغوي وكان ثقة ‏.‏

قال البغوي‏:‏ حدثنا عبد الله بن عون قال وكان من الأبدال ‏.‏

توفي في هذه السنة ‏.‏

بن إبراهيم بن سلمة الضبي مولاهم ‏.‏

كان على رأي أبي حنيفة وتقلد القضاء على الرقة ثم ولي القضاء بمدينة المنصور وبالشرقية كان جماعًا للمال ثم عزل في صفر سنة ثمان وعشرين ومائتين وتوجه إلى مكة من سنة اثنتين وثلاثين فمات بفيد في ذي القعدة وبها دفن ‏.‏

عيسى بن سالم الشاشي ‏.‏

قدم بغداد وحدث بها عن ابن المبارك روى عنه‏:‏ البغوي وكان ثقة ‏.‏

وتوفي بطريق حلوان في هذه السنة وكان من المحدثين الفقهاء ‏.‏

عمر بن محمد بن بكير أبو عثمان الناقد ‏.‏

سمع سفيان بن عيينة وهشيمًا وروى عنه‏:‏ البغوي وكان من المتحدثين الفقهاء الحفاظ وقال أحمد بن حنبل‏:‏ هو يتحرى الصدق توفي في ذي الحجة من هذه السنة ‏.‏

مغيرة بن عبد الله بن المغيرة بن عبد الله الفزاري كان أمير مصر لمروان بن محمد الجعدي وكان حسن السيرة توفي في رمضان هذه السنة ‏.‏

قدم مصر واليًا على القضاء سنة سبع عشرة ومائتين فأقام قاضيًا ثم خرج إلى العراق فتوفي بسامراء في رمضان هذه السنة ‏.‏

هارون الواثق بالله ابن المعتصم ‏.‏

ولي الخلافة سنة سبع وعشرين ومائتين وتوفي في هذه السنة ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أبو حاتم أحمد بن الحسين بن محمد الرازي في كتابه إلينا بخطه حدثنا محمد بن عبد الواحد بن محمد المعدل أخبرنا محمد بن أحمد بن علي بن أبو الحسن الحافظ حدثنا الحسين بن عبد الله بن يحيى البرمكي أخبرنا زرقان بن أبي داود قال‏:‏ لما احتضر الواثق جعل يردد هذين البيتين‏:‏ الموت فيه جميع الخلق مشترك لا سوقة منهم يبقى ولا ملك ما ضر أهل قليل في تفاقرهم وليس يغني عن الأملاك ما ملكوا ثم أمر بالبسط فطويت وألصق خده بالأرض وجعل يقول‏:‏ يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا التنوخي قال‏:‏ أخبرنا أبي حدثني الحسين بن الحسن بن محمد الواثقي قال‏:‏ حدثني أبي أحمد بن محمد أمير البصرة قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ كنت أحد من مرض الواثق في علته التي مات فيها فكنت قائمًا بين يدي الواثق أنا وجماعة من الأولياء والموالي والخدم إذ لحقته غشية فما شككنا أنه قد مات فقال بعضنا لبعض‏:‏ تقدموا فاعرفوا خبره فما جسر أحد منا يتقدم فتقدمت أنا فلما صرت عند رأسه وأردت أن أضع يدي على أنفه أعتبر نفسه لحقته إفاقة ففتح عينيه فكدت أموت فرقًا من أن يراني قد مشيت في مجلسه إلى غير رتبتي فتراجعت إلى خلف وتعلقت قبيعة سيفي بعتبة المجلس وعثرت به فاتكأت عليه فاندق سيفي وكاد يدخل في لحمي ويجرحني فسلمت ثم خرجت فاستدعيت سيفًا ومنطقة أخرى فلبستهما وجئت حتى وقفت في مرتبتي ساعة فتلف الواثق تلفًا لم يشك جماعتنا فيه أنه مات فتقدمت فشددت لحييه وغمضته وسجيته ووجهته إلى القبلة وجاء الفراشون فأخذوا ما تحته في المجلس ليردوه إلى الخزائن لأن جميعه مثبت عليهم وترك وحده في البيت وقال لي ابن أبي دؤاد القاضي‏:‏ إنا نريد أن نتشاغل بعقد البيعة ولا بد أن يكون أحدنا يحفظ الميت إلى أن يدفن فأحب أن تكون أنت ذلك الرجل وقد كنت من أخصهم به في حياته وذلك أنه اختصني واصطنعني حتى لقبني الواثقي باسمه فحزنت عليه حزنًا شديدًا وقلت‏:‏ دعوني وامضوا فرددت باب المجلس وجلست في الصحن عند الباب أحفظه وكان المجلس في بستان عظيم أجربة وهو بين بساتين فأحسست بعد ساعة في البيت بحركة أفزعتني فدخلت أنظر ما هي وإذا بجرذون من دواب البستان قد جاء حتى استل عين الواثق فأكلها فقلت‏:‏ لا إله إلا الله هذه العين التي فتحها منذ ساعة فاندق سيفي لها هيبة صارت طعمة لدابة ضعيفة‏!‏‏!‏ قال‏:‏ وجاءوا فغسلوه بعد ساعة فسألني ابن أبي دؤاد عن سبب عينه فأخبرته ‏.‏

قال‏:‏ والجرذون دابة أكبر من اليربوع قليلًا ‏.‏

وقد روي في سبب موته خبر طريف‏:‏ أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري حدثنا أبو يعقوب الحافظ أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسن الرازي حدثنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن معاوية الرازي حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال‏:‏ سمعت مسعر بن محمد بن وهب يحدث أبي عن المتوكل قال‏:‏ كان الواثق يحب النساء وكثرة الجماع فوجه يومًا إلى ميخائيل الطبيب فدعا به فدخل عليه وهو نائم في مشرفة له وعليه قطيفة خز فوقف بين يديه فقال‏:‏ يا ميخائيل أبغني دواء للباه فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين بدنك فلا تهده بالجماع فإن كثرة الجماع تهد البدن ولا سيما إذا تكلف الرجل ذلك فاتق الله في بدنك وأبق عليك فليس لك من بدنك عوض فقال له‏:‏ لا بد منه ثم رفع القطيفة عنه فإذا بين فخذيه وصيفة قد ضمها إليه ذكر من جمالها وهيئتها أمرًا عجيبًا فقال‏:‏ من يصبر عن مثل هذه قال‏:‏ فإن كان ولا بد فعليك بلحم السبع وأمر أن يؤخذ لك منه رطل فيغلى سبع غليات بخل خمر عتيق فإذا جلست على شرابك أمرت أن يضرب لك منه ثلاثة دراهم فانتقلت به على شرابك في ثلاث ليال فإنك تجد فيه بغيتك واتق الله في نفسك ولا تسرف فيها ولا تجاوز ما أمرتك به ‏.‏

فلهى عنه أيامًا فبينا هو ذات ليلة جالس قال‏:‏ علي بلحم السبع الساعة فأخرج له سبع من الجب وذبح من ساعته وأمر فكبب له منه ثم أمر فأغلي له منه بالخل ثم قدم له منه فأخذ يتنقل منه على شرابه وأتت عليه الأيام والليالي فسقى بطنه فجمع له الأطباء فأجمع رأيهم على أنه لا دواء له إلا أن يسجر تنور بحطب الزيتون ويسخن حتى يمتلئ جمرًا فإذا امتلأ كسح ما في جوفه فألقي على ظهره وحشي جوفه بالرطبة ويقعد فيه ثلاث ساعات من النهار فإذا استسقى ماء لم يسق فإذا مضت ثلاث ساعات كوامل أخرج وأجلس جلسة مقتضبة على نحو ما أمروا به فإذا أصابه الروح وجد لذلك وجعًا شديدًا وطلب أن يرد إلى التنور فترك على تلك الحال ولا يرد إلى تلك التنور حتى تمضي ساعات من النهار فإنه إذا مضت ساعات من النهار جرى ذلك الماء وخرج من مخارج البول وإن سقي ماء أو رد إلى التنور كان تلفه فيه فأمر بتنور فسجر بحطب الزيتون حتى امتلأ جمرًا أخرج ما فيه وجعل على ظهره ثم حشي بالرطبة وعري وأجلس فيه فأقبل يصيح ويستغيث ويقول‏:‏ أحرقتموني اسقوني ماء وقد وكل به من يمنعه الماء ولا يدعه أن يقوم من موضعه الذي أقعد فيه ولا يحرك فسقط بدنه كله وصار فيه مفاجات مثل أكبر البطيخ وأعظمه فترك على حالته حتى مضت له ثلاث ساعات من النهار ثم أخرج وقد كاد يحترق أو يقول القائل في رأي العين قد احترق فأجلسه الأطباء فلما وجد روح الهواء اشتد به الوجع والألم وأقبل يصيح ويخور خوران الثور ويقول‏:‏ ردوني إلى التنور فإني إن لم أرد مت فاجتمع نساؤه وخواصه لما رأوا ما به من شدة الألم والوجع وكثرة الصياح فرجوا أن يكون فرجه في أن يرد إلى التنور فردوه إلى التنور فلما وجد مس النار سكن صياحه وتقطرت النفاخات التي كانت خرجت ببدنه وخمدت وبرد في جوف التنور فأخرج من التنور وقد احترق وصار أسود كالفحم فلم تمض ساعة حتى قضى ‏.‏

توفي الواثق بسامراء يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وكان عمره اثنتين وثلاثين سنة وكانت خلافته خمس سنين وسبعة اشهر وخمسة أيام وقيل‏:‏ خمس سنين وشهرين وأحد وعشرين يومًا وصلى عليه جعفر ‏.‏

 ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين ومائتين

غضب المتوكل على محمد بن عبد الملك الزيات وحبسه إياه وسنذكر قصته عند وفاته إن شاء الله ‏.‏

وفي ربيع الآخر‏:‏ رجفت دمشق رجفة شديدة لارتفاع الضحى وانتقضت منها البيوت وتزايلت الحجارة العظيمة وسقطت عدة منازل وطاقات في الأسواق على من فيها فقتلت خلقًا كثيرًا من الرجال والنساء والصبيان وسقط بعض شرافات المسجد الجامع وتصدعت طاقات القبة التي في وسط الجامع مما يلي المحراب وانقطع ربع منارة الجامع فهرب الناس بالنساء والصبيان وهرب أهل الأسواق إلى ذلك فرجعوا فأخذوا في إخراج الموتى من تحت الهدم ‏.‏

وذكر بعض من كان في دير مران أنه كان يرى مدينة دمشق وهي ترتفع وتستقل مرارًا وأصاب أهل قرية من عمل الغوطة من الرجفة أنها انكفأت عليهم فلم ينج منهم إلا رجل واحد على فرسه فأتى أهل دمشق فأخبرهم ‏.‏

وأصاب أهل البلقاء مثل ما أصاب أهل دمشق من هدم المنازل في ذلك اليوم وذلك الوقت وتزايلت الحجارة من سور مدينتها وسقط حائط لها عرضه ذراع في ستة عشر ذراعًا وخرج أهلها بنسائهم وصبيانهم فلم يزالوا في دعاء وضجيج حتى كف الله عنهم برحمته ‏.‏

وعظمت الزلازل بأنطاكية ومات من أهلها خلق كثير وكذلك الموصل ويقال‏:‏ إنه مات من وفي رجب‏:‏ مطر أهل الموصل مطرًا شديدًا وسقط برد مختم كالسكر وبعضه كبيض الحمام فسد مجاري الماء ثم سال واد من ناحية البرية ذكروا أنه لم يسل قط فما زالوا كذلك في ضجة حتى أتى ربع الليل وحمل الماء قومًا فغرقتهم ووقعت الدور على بعضهم فقتلتهم وكان ما سقط وتهدم أكثر من ألفي دار وقطع الماء رحى كانت مبنية من رصاص فجري الماء فيها ولولا ذلك لغرق أهل الموصل أجمعين ‏.‏

وفقد في بستان أكثر من مائتي نخلة بأصولها فلم يبن لها أثر وكانت معها زلزلة شديدة وصواعق دفن أكثر من عشرة آلاف والذين غرقوا أكثر ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ غضب المتوكل على عمر بن الفرج وذلك في رمضان فوجد في منزله خمسة عشر ألف درهم وقبض جواريه وفرشه وقيد بثلاثين رطلًا من الحديد وأحضر مولاه نصر فحمل ثلاثين ألف دينار وحمل نصر من مال نفسه أربعة عشر ألف دينار وأصيب له في الأهواز أربعون ألف دينار ولأخيه محمد بن الفرج مائة ألف دينار وخمسون ألف دينار وحمل من داره من المتاع على ستة عشر بعيرًا فرش فاخرة ومن الجوهر ما قيمته أربعون ألف دينار وألبس جبة صوف وقيد وأخذ عياله ففتشوا فكن مائة جارية ثم صولح على أحد عشر ألف وقد أنبأنا أبو بكر محمد بن أبي طاهر البزار أنبأنا علي بن المحسن التنوخي قال‏:‏ حدثني أبي أن بعض المعمرين من الشهود بالأهواز حدثه عن أبيه - أو بعض أهله - قال‏:‏ كان محمد بن منصور يتقلد القضاء بكور الأهواز وعمر بن الفرج الرخجي يتقلد الخراج بها وكانا يتوازيان المرتبة السلطانية فلا يركب القاضي إلى الرخجي إلا بعد أن يجيبه ويتشاحان على التعظيم وتولدت بينهما عداوة من ذلك وكان الرخجي يكتب في القاضي إلى المتوكل فلا يلتفت إلى كتبه لعظم محله عند المتوكل ويبلغ ذلك القاضي فلا يحفل به فلما كان في بعض الأوقات ورد كتاب المتوكل على الرخجي يأمره بأمر في معنى الخراج وأن يجتمع مع محمد بن منصور القاضي ولا يتفرد دونه وورد بالكتاب خادم كبير من خدم السلطان فأنفذ الرخجي إلى القاضي فأعلمه الخبر وقال‏:‏ تصير إلى ديوان الخراج لنجتمع فيه على امتثال الأمر فقال القاضي‏:‏ لا ولكن تصير أنت إلى الجامع فتجتمع فيه وتردد الكلام بينهما إلى أن قال الرخجي للخادم‏:‏ ارجع إلى حضرة أمير المؤمنين واذكر القصة وأن قاضيه يريد إيقاف ما أمر به أمير المؤمنين فبلغه الخبر فركب محمد بن منصور إلى الديوان ومعه شهوده فدخله والرخجي فيه في دست وكتابه بين يديه فلما بصروا به قاموا إلا الرخجي فعدل إلى آخر البساط بعد أن أمر غلامه فطوى البساط وجلس على البوري وحف به الشهود وجاء الخادم فجلس عند القاضي وأراه الكتاب فلم يزل الرخجي يخاطب القاضي وبينهما مسافة حتى فرغا من الأمر فلما فرغا قال الرخجي للقاضي‏:‏ يا أبا جعفر ما هذه الجبرية‏!‏ لا تزال تتولع بي وتقدر أنك عند الخليفة مثلي أو أن محلك يوازي محلي والخليفة لا يضرب على يدي في أمواله التي بها قوام دولته ولقد أخذت من ماله ألف ألف دينار وألف ألف دينار وألف ألف دينار فما سألني عنها وإنما أنت لك أن تحلف منكرًا على حق وأن تفرض لامرأة على زوجها وتحبس ممتنعًا من أداء حق وأبو جعفر ساكت فلما ذكر الرخجي ألف ألف دينار وثنى القول يعدد بإصبعه وقد كشفها ليراها الناس فلما أمسك عمر بن الفرج لم يجبه القاضي بشيء وقال لوكيل‏:‏ يا فلان قد سمعت ما جرى فقال‏:‏ قد وكلتك لأمير المؤمنين وللمسلمين على هذا الرجل في المطالبة لهم بهذا المال ‏.‏

فقال له الوكيل‏:‏ إن رأى القاضي أن يحكم بهذا المال للمسلمين قال والرخجي يسمع فقال القاضي‏:‏ دواة ‏.‏

وكتب القاضي سجلًا بخطه بذلك المال ورمى به إلى الشهود وقال‏:‏ اشهدوا على إنفاذي الحكم بما في هذا الكتاب وإلزام فلان بن فلان هذا وأومأ إلى الرخجي بما أقر به عندي من المال المذكور مبلغه في هذا الكتاب للمسلمين ‏.‏

فكتب الشهود خطوطهم وأخذ القاضي الكتاب ومضى وأخذ الرخجي يهزأ به ويقول‏:‏ يا أبا جعفر لقد بالغت في عقوبتي قتلتني‏!‏ قال‏:‏ إي والله‏.‏‏!‏

فكتب صاحب الخبر إلى المتوكل بما جرى فأحضر وزيره وقال‏:‏ أنا منذ زمان أقول لك حاسب هذا الخائن وأنت تدافع حتى حفظ الله علينا أموالنا بقاضينا محمد بن منصور ورمى إليه بكتاب صاحب الخبر قال‏:‏ اكتب الساعة بالقبض على الرخجي فخرج الوزير وهو قلق لعنايته بالرخجي وقال لكاتبه‏:‏ اكتب إليه‏:‏ يا مسكين يا مشؤوم ‏.‏

ما دعاك إلى معاداة القضاة وأنت مقتول إن لم تتلاف أمرك مع القاضي ‏.‏

فركب الرخجي إلى القاضي فحجبه فرفع خجلًا فاحتال فدخل مع بعض خواص القاضي بالليل فصاح عليه‏:‏ اخرج عن داري فأكب على رأسه وبكى فقام القاضي فاعتنقه وبكى وقال‏:‏ عزيز علي ولا حيلة لي فقد نفذ الحكم‏!‏ فنهض ونفذ بمن قبض عليه ونصب القاضي من باع أملاك الرخجي وحمل ثمنها إلى بيت المال ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ أمر المتوكل بسليمان بن إبراهيم بن الجنيد فضرب بالأعمدة حتى أقر بتسعين ألف دينار فوجه معه مباركًا المغربي إلى بغداد حتى استخرجها من منزله وجيء به فحبس ‏.‏

وفيها‏:‏ غضب المتوكل على أبي الوزير أحمد بن أبي خالد وأمر بمحاسبته فحمل نحوًا من ستين ومائة ألف دينار وبدرتين دراهم وحليًا وأخذ له من متاع مصر اثنين وستين سفطًا واثنين وفلج أحمد بن أبي دؤاد لست خلوت من جمادى الآخرة ‏.‏

وولى المتوكل ابنه محمد المنتصر الحرمين واليمن والطائف وعقد له يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من رمضان ‏.‏

وفي يوم الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من رمضان عزل المتوكل الفضل بن مران عن ديوان الخراج وولاه يحيى بن خاقان ‏.‏

وولى إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول في هذا ديوان زمام النفقات ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ قدم يحيى بن هرثمة ‏.‏

وكان والي طريق مكة بعلي بن محمد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر من المدينة ‏.‏

وفيها‏:‏ وثب ميخائيل بن توفيل على أمه بدور فشمسها وألزمها الدير وقتل رجلًا اتهمها به وكان ملكها ست سنين ‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة محمد بن داود بن موسى بن عيسى ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأعيان

إسحاق بن إبراهيم أبو موسى روى عن‏:‏ البغوي أثنى عليه أحمد وقال يحيى‏:‏ هو ثقة ‏.‏

وتوفي في هذه السنة ‏.‏

بهلول بن صالح بن عمر بن عبيدة أبو الحسن التجيبي ثم العرزمي حدث عن مالك بن أنس وغيره وروى عنه أبو عبد الله بن فروخ عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن أبيه قال‏:‏ قلت لعبد الله بن عباس‏:‏ يا معشر قريش أخبروني عن هذا الكتاب العربي هل كنتم تكتبونه قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ نعم ‏.‏

قلت‏:‏ وممن أخذتموه قال‏:‏ من حرب بن أمية قلت‏:‏ وممن أخذه حرب بن أمية قال‏:‏ من عبد الله بن جدعان قلت‏:‏ وممن أخذه عبد الله بن جدعان قال‏:‏ من أهل الأنبار قلت‏:‏ وممن أخذه أهل الأنبار قال‏:‏ من طارئ طرأ عليهم من أهل اليمن من كندة قلت‏:‏ وممن أخذه ذلك الطارئ قال‏:‏ من الخلجان بن الوهم كاتب الوحي لهود النبي عليه السلام وهو الذي يقول‏:‏ أفي كل عام سنة تحدثونها ورأي على غير الطريق يغير توفي بهلول في هذه السنة ‏.‏

عبد الجبار بن عاصم أبو طالب النسائي سكن بغداد وحدث بها عن إسماعيل بن عياش وغيره وروى عنه‏:‏ حنبل والبغوي وغيره وكان ثقة صدوقًا ‏.‏

توفي في ربيع الآخر من هذه السنة ‏.‏

محمد بن سماعة بن عبيد الله بن هلال بن وكيع بن بشر أبو عبد الله التميمي كان أحد أصحاب الرأي وولي القضاء بمدينة المنصور إلى أن عزله المأمون ‏.‏

وحدث عن الليث بن سعد وأبي يوسف القاضي ومحمد بن الحسن وهو من الحفاظ الثقات ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي أخبرنا أبو الطيب محمد بن زيد التميمي أخبرنا أبو زيد المقرئ أخبرنا أبو الحسين زيد بن محمد حدثنا جعفر بن دهقان حدثنا محمد بن عمران الضبي قال‏:‏ سمعت محمد بن سماعة القاضي قال‏:‏ مكثت أربعين سنة لم تفتني التكبيرة الأولى إلا يومًا واحدًا ماتت فيه أمي ففاتني فيه صلاة واحدة في جماعة فقمت فصليت خمسًا وعشرين صلاة أريد بذلك التضعيف فغلبتني عيني فأتاني آت فقال‏:‏ يا محمد قد صليت خمسًا وعشرين صلاة ولكن كيف لك بتأمين الملائكة قال المصنف‏:‏ كان ابن سماعة يصلي كل يوم مائتي ركعة ‏.‏

توفي في شعبان هذه السنة عن مائة وثلاث سنين ‏.‏

محمد بن عبد الملك بن أبان بن أبي حمزة أبو يعقوب ويعرف بابن الزيات أصله من جبل وكان أبوه تاجرًا من تجار الكرخ المياسير وكان يحثه على التجارة فيأبى إلا الكتابة وطلبها ثم شخص إلى الحسن بن سهل فمدحه بقصيدة فأعطاه عشرة آلاف درهم ثم اتصل بالمعتصم فرفع من قدره ووسمه بالوزارة ثم استوزره الواثق وكان أديبًا فاضلًا عالمًا بالنحو واللغة وله شعر مليح ‏.‏

وقد وصف بلاغته البحتري فأخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أحمد بن علي الحافظ أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد بن المظفر الدقاق أخبرنا محمد بن عمران المرزباني حدثني أبو الحسن علي بن هارون قال‏:‏ أخبرني أبي قال‏:‏ من بارع مديح البحتري قوله يصف بلاغة محمد بن عبد في نظام من البلاغة ماش ك امرؤ أنه نظام فريد ومعان لو فصلتها القوافي لهجت شعر جرول ولبيد حزن مستعمل الكلام اختيارًا وتجنبن ظلمة التعقيد وركبن اللفظ القريب فأدرك ن به غاية المراد البعيد ونرى الخلق مجمعين على فضل ك من بين سيد ومسود عرف العالمون فضلك بالع لم وقال الجهال بالتقليد صارم العزم حاضر الحزم ساري الفكر ثبت المقام صلب العود دق فهمًا وجل علمًا فأرضى الل ه فينا والواثق بن الرشيد لا يميل الهوى به حيث يمضي الأ مر بين المقل والممدود سؤدد يصطفى ونيل يتوخى وثناء يحيى ومال تؤدي قد تلقيت كل يوم جديد يا أبا جعفر بمجد جديد وإذا استطرقت سيادة قوم بنت بالسؤدد الطريف التليد حدثني محمد بن علي الربيعي قال‏:‏ سمعت صالح بن سليمان العبدي يقول‏:‏ كان محمد بن عبد الملك بن الزيات يتعشق جارية من جواري القيان فبيعت من رجل من أهل خراسان فأخرجها قال‏:‏ فذهل عقل محمد بن عبد الملك حتى خشي عليه فقال‏:‏ يا طول ساعات ليل العاشق الدنف وطول رعيته للنجم في السدف ماذا تواري ثيابي من أخي حرق كأنما الجسم منه دفه الألف ما قال يا أسفى يعقوب من كمد إلا لطول الذي لاقى من الأسف من سره أن يرى ميت الهوى دنفًا فليستدل على الزيات وليقف قال المصنف‏:‏ اتفقت أسباب لهلاك ابن الزيات فمنها‏:‏ أن الواثق كان قد استوزره وفوض الأمور إليه وكان الواثق قد غضب على أخيه جعفر المتوكل في بعض الأمور فوكل به عمر بن فرج الرخجي ومحمد بن العلاء الخادم يحفظانه ويكتبان بأخباره في كل وقت فصار جعفر إلى محمد بن عبد الملك يسأله أن يكلم أخاه الواثق ليرضى عنه فلما دخل عليه مكث واقفًا بين يديه مليًا لا يكلمه ثم أشار إليه أن اقعد فقعد فلما فرغ من نظره في الكتب التفت إليه كالمتهدد له فقال له‏:‏ ما جاء بك قال‏:‏ جئت أسأل أمير المؤمنين الرضا عني فقال لمن حوله‏:‏ انظروا إلى هذا يغضب أخاه ويسألني أن أسترضيه‏!‏ اذهب فإنك إذا صلحت رضي عنك فقام جعفر كئيبًا لما لقيه به فخرج فأتى عمر بن فرج يسأله أن يختم له صكه ليقبض أرزاقه فلقيه عمر بالخيبة وأخذ الصك فرمى به إلى صحن المسجد ‏.‏

وكان أحمد بن أبي خالد حاضرًا فقام لينصرف فانصرف معه جعفر فقال له‏:‏ رأيت ما صنع بي عمر فقال له‏:‏ جعلت فداك‏!‏ أنا زمام عليه وليس يختم صكي بأرزاقي إلا بعد الرفق والطلب فابعث إلي وكيلك فبعث إليه جعفر وكيله فدفع إليه عشرين ألف درهم وقال‏:‏ أنفق هذه حتى يهيئ الله أمرك ثم صار جعفر من فوره إلى أحمد بن أبي دؤاد فدخل عليه فقام أحمد واستقبله على باب البيت وقبله والتزمه وقال‏:‏ ما حاجتك جعلت فداك‏!‏ قال‏:‏ جئت لتسترضي أمير المؤمنين عني فقال‏:‏ أفعل وكرامة فكلمه فوعده فلما كان يوم الحلبة أعاد الكلام عليه وقال فيه‏:‏ بحق المعتصم يا أمير المؤمنين إلا رضيت عنه‏!‏ فرضي عنه وكساه ‏.‏

وكان محمد بن عبد الملك قد كتب إلى الواثق‏:‏ أتاني جعفر بن المعتصم يسألني أن أسأل أمير المؤمنين الرضا عنه في زي المخنثين له شعر قفا ‏.‏

فكتب إليه الواثق‏:‏ ابعث إليه وأحضره ومر من يجز شعره واضرب به وجهه ففعل ذلك ‏.‏

ثم لما ثقل الواثق أشار ابن عبد الملك بابن الواثق ثم كان بين ابن الزيات وأحمد بن أبي دؤاد عداوة شديدة فلما ولي المتوكل أغراه به ابن أبي دؤاد مع الأحقاد القديمة فتقدم إلى إيتاخ بالقبض عليه فأرسل إليه إيتاخ فلما دخل عليه أخذ سيفه وقلنسوته ودراعته فدفعها إلى غلمانه وقال‏:‏ انصرفوا ‏.‏

وبعث إلى داره فأخذ جميع ما فيها من متاع وجوار وغلمان ودواب وأمر أحمد بن أبي خالد بقبض ضياعه وضياع أهل بيته فكان الذي أخذ منه قيمته تسعون ألف دينار ‏.‏

ثم قيد فامتنع عن الطعام وكثر بكاؤه ثم سوهر ومنع من النوم بمسلة ينخس بها ثم أمر بتنور من حديد فيه مسامير إلى داخله فأدخل فيه وهو الذي كان صنعه ليعذب به من يطالب بأمر ‏.‏

فجعل يقول لنفسه‏:‏ يا محمد بن عبد الملك لم تقنعك النعمة والدواب الفارهة والدار النظيفة وأنت في عافية حتى طلبت الوزارة ذق ما عملت بنفسك‏!‏ وكان لا يزيد على التشهد وذكر الله تعالى

وقد روينا أنه كان يقول‏:‏ الرحمة خور في الطبيعة ما رحمت شيئًا قط ‏.‏

فلما وضع في التنور قال‏:‏ ارحموني قالوا له‏:‏ وهل رحمت شيئًا قط ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي أخبرنا محمد بن عبد الواحد بن محمد أخبرنا محمد بن عبد الرحيم المازني حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال‏:‏ سمعت القاسم بن ثابت الكاتب يقول‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ قال لي أحمد الأحول‏:‏ لما قبض على محمد بن عبد الملك تلطفت في أن وصلت إليه فرأيته في حديد ثقيل فقلت‏:‏ يعز علي ما أرى فقال‏:‏ سل ديار الحي ما غيرها وعفاها ومحا منظرها وهي الدنيا إذا ما انقلبت صيرت معروفها منكرها إنما الدنيا كظل زائل نحمد الله كذا قدرها أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت أخبرني الحسن بن بي بكر أخبرني أبي أخبرنا أبو الطيب محمد بن الحسن اللخمي حدثني أبي قال‏:‏ حدثني بعض أصحابه قال‏:‏ لما حمل ابن الزيات في التنور الذي مات فيه كتب هذه الأبيات بفحمة‏:‏ من له عهد بنوم يرشد الصب إليه رحم الله رحيمًا دل عيني عليه سهرت عيني ونامت عين من هنت عليه قال المصنف‏:‏ ومات في التنور وقيل‏:‏ إنه أخرج فضرب فمات تحت الضرب والأول أثبت ‏.‏

ولما مات طرح على باب فغسل عليه وحفر له ولم يعمق فذكر أن الكلاب نبشته فأكلت لحمه

وقيل‏:‏ يحيى بن معين بن غياث بن زياد بن عون بن بسطام أبو زكريا المري من غطفان مولى لهم ‏.‏

ولد سنة ثمان وخمسين وكان من أهل الأنبار سمع ابن المبارك وهشيمًا وعيسى بن يونس وسفيان بن عيينة وغيرهم روى عنه‏:‏ أحمد بن حنبل وأبو خيثمة ومحمد بن سعد والبخاري وغيرهم وكان حافظًا ثقة ثبتًا متقنًا ‏.‏

قال علي بن المديني‏:‏ انتهى علم الناس إلى يحيى بن معين ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أبو سعيد الماليني أخبرنا عبد الله بن عدي قال‏:‏ أخبرني شيخ كاتب ببغداد في حلقة أبي عمران الأشيب ذكر أنه ابن عم ليحيى بن معين قال‏:‏ كان معين على خراج الري فمات فخلف لابنه يحيى ألف ألف درهم وخمسين ألف درهم فأنفقه كله على الحديث ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا التنوخي قال‏:‏ أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد بن إبراهيم البخاري حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حريث قال‏:‏ سمعت أحمد بن سلمة يقول‏:‏ سمعت أحمد بن رافع قال‏:‏ سمعت أحمد بن حنبل يقول‏:‏ كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين فليس هو بحديث ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا أبو سعيد الماليني أخبرنا عبد الله بن عدي حدثنا يحيى بن زكريا حدثنا العباس بن إسحاق قال‏:‏ سمعت هارون بن معروف يقول‏:‏ قدم علينا بعض الشيوخ من الشام فكنت أول من بكر عليه فدخلت عليه فسألته أن يملي علي شيئًا فأخذ الكتاب يملي علي فإذا أنا بإنسان يدق الباب فقال الشيخ‏:‏ من هذا قال‏:‏ أحمد بن حنبل فأذن له والشيخ على حاله والكتاب في يده ولم يتحرك فإذا بآخر يدق الباب فقال الشيخ‏:‏ من هذا قال‏:‏ أحمد الدورقي فأذن له والشيخ على حاله والكتاب في يده لا يتحرك وإذا بداق يدق الباب فقال الشيخ‏:‏ من هذا قال‏:‏ عبد الله بن الرومي فأذن له والشيخ على حاله والكتاب في يده لا يتحرك فإذا بآخر يدق الباب فقال الشيخ‏:‏ من هذا قال‏:‏ أبو خيثمة زهير بن حرب فأذن له والشيخ على حاله والكتاب في يده لا يتحرك فإذا بآخر يدق الباب فقال الشيخ‏:‏ من هذا قال‏:‏ يحيى بن معين ‏.‏

قال‏:‏ فرأيت الشيخ ارتعدت يده وسقط الكتاب منها ‏.‏

توفي يحيى بن معين بالمدينة في ذي القعدة من هذه السنة وهو ذاهب إلى الحج وروي أنه خرج من المدينة فرأى في المنام قائلًا يقول‏:‏ أترغب عن جواري فرجع فأقام ثلاثًا ومات وحمل على سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن بالبقيع وكان قد بلغ ستًا وسبعين سنة إلا أيامًا

ورثاه بعض المحدثين فقال‏:‏ وبكل وهم في الحديث ومشكل يعيى به علماء كل بلا أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ سمعت الأزهري قال‏:‏ سمعت محمد بن الحسن الصيرفي قال‏:‏ حدثنا أبو أحمد بن المهتدي بالله قال‏:‏ حدثني الحسين بن الخصيب قال‏:‏ حدثني حبيش بن مبشر ‏.‏

قال‏:‏ رأيت يحيى بن معين في النوم فقلت‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ أدخلني عليه في داره وزوجني ثلاثمائة حورية ثم قال للملائكة‏:‏ انظروا إلى عبدي كيف تطرى وحسن ‏.‏

أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز حدثنا صالح بن أحمد الحافظ قال‏:‏ سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله يقول‏:‏ سمعت أبي يقول‏:‏ خلف يحيى من الكتب مائة قمطر وأربعة عشر قمطرًا وأربعة حباب شرابية مملوءة كتبًا ‏.‏

أم عيسى بنت موسى الهادي زوجة المأمون ‏.‏

ماتت في هذه السنة ‏.‏